30 - 04 - 2025

مؤشرات | هل يمكن التخفيف من تأثيرات أسعار الوقود على الفقراء؟

مؤشرات | هل يمكن التخفيف من تأثيرات أسعار الوقود على الفقراء؟

مرة أخرى نتحدث عن تداعيات سياسة الحكومة لرفع أسعار منتجات الوقود، وتأثيراتها، ونطرح سؤالا مهما " هل يمكن التخفيف من تأثيرات أسعار الوقود على الفقراء؟”.. ففي أول تشكيل للجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية ألزمت نفسها وفق تأسيسها بقرار من رئيس الوزراء عام 2018، بألا تزيد نسبة التعديل عن 10% ارتفاعًا أو انخفاضًا لأسعار المواد البترولية، إلا أن اللجنة يبدو أنها ألغت هذا النص، وخالفت كل هذا، ورفعت الأسعار على مدار ثلاث سنوات الثلاثة وحتى الزيادة الأخيرة هذا العام ، بنسبة تجاوزت النسبة التي ألزمت نفسها بها، وبدأت الزيادات التي أقرتها الحكومة قبل أيام من أبريل الحالي، من نسبة 11.7%، للبنزين 95، و13.1% للبنزين 92، 14.5%، ووصلت 14.8% للسولار، بينما تجاوزت 33.3% لأنبوبة البوتاجاز الصغيرة (المنزلية)، والكبيرة (التجارية).

وبالعودة لأرشيف القرارات الوزارية فقد نص قرار رئيس الوزراء رقم 2763 لسنة 2018، على تشكيل لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، في 30 ديسمبر 2018، وتضم وزارة البترول والثروة المعدنية، والمالية والهيئة المصرية العامة للبترول لمراجعة أسعار المواد المنتجات البترولية، كل ربع سنة على ألا تتجاوز الأسعار نسبة 10% ارتفاعًا وانخفاضًا.

ومرة أخرى نؤكد على أن الزيادات المتكررة على أسعار الوقود والتي ستتكرر بعد 6 شهور تأتي متماشيًا مع شروط قرض صندوق النقد الدولي لمصر، وفي مقدمتها تقليص الدعم الحكومي في العديد من السلع، وعلى رأسها مختلف أنواع الوقود.

وفي تصريحات رسمية قال الدكتور مصطفي مدبولي "إن الانخفاض العالمي في أسعار النفط قد يخفف من حدة الزيادات المخطط لها" ولكن جاءت قرارات الزيادة من الحكومة أكدت مجددا أنها لا تزال ملتزمة برفع دعم الوقود بالكامل بحلول نهاية 2025 كشرط أساسي في الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي".

وفي تحليل مهم لمركز "حلول للسياسات البديلة" بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ناقش الوسائل التي يمكن للحكومة أن تخفف من التأثير على الفئات الأكثر ضعفًا في ظل التداعيات المتوقعة على التضخم وتكاليف النقل وارتفاع أسعار المواد الغذائية؟

الدراسات الاقتصادية تشير إلى أن من بين العوامل التي تحدد سعر البنزين، تأتي أسعار النفط الخام والتي تتحكم بشكل كبير في تحديد أسعار البنزين داخل مختلف دول العالم، وتصل نسبته إلى 54% في تحديد سعر البنزين داخل بعض الدول، وهو بالتالي مهم، إلا أن الزيادة الأخيرة في أسعار المنتجات البترولية، استبعدت هذا العامل نهائياً، خصوصا ان سعر البترول انخفض عالميا، والعديد من الدول خفضت أسعار المحروقات بعكس مصر، وهو ما يؤكد أن القرار سياسي، ناتج عن التزام اقتصادي، مع المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد.

وهناك عوامل أخرى تحدد سعر المنتجات البترولية، منها تكاليف التكرير والتصفية، وتكاليف التوزيع والتسويق.، إلا أن أسعار البترول الخام يظل العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد أسعار هذه المنتجات، وكلما اعتمدت الدولة على استيراد النفط الخام زاد تأثر أسعار البنزين مع تقلبات سوق النفط العالمية ارتفاعاً وانخفاضاً.

ويبقى السؤال كيف يمكن التخفيف من تأثيرات أسعار الوقود على الفئات الأقل دخلاً والضعيفة؟، وفي إطار الإجابة على ذلك يقول "مركز حلول للسياسات البدلية، يجب على الحكومة استغلال ما توَّفر من إيرادات جرَّاء رفع الدعم عن المواد البترولية وتوظيفها لإقامة برنامج دعم موجَّه لمصاريف النقل، حتى تخفف من حدّة أثار ارتفاع الأسعار.

ويمكن للحكومة الاستفادة من تجارب دولية في هذا الشأن بأن تطبق برنامج دعم موجَّه لمصاريف النقل باستخدام بطاقات "ميزة" أو قسائم رقمية تستند إلى بيانات محدَثّة عن الدخل والموقع الجغرافي.

ولكن قد يطرح البعض سؤالا على دقة هذا وعدالته، في تصميم وتنفيذ برنامج الدعم بناءً على بيانات الفئات المستحِقة، والإجابة، تكمن في أهمية قيام الحكومة بإعادة إصدار ونشر تقارير الدخل والإنفاق التي يُعدّها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، والتي يتوفر بها بيانات حيوية عن مستوى الأُسر والعبء المادي الواقع عليهم.

ومن المقترحات أيضا بأنه يتعين على الحكومة أن تقدم تحويلات نقدية للسائقين منخفضي الدخل في قطاع النقل غير الرسمي ولمشغلي وسائل النقل شهريًا، لإعانتهم على دورهم المحوري في تسيير حركة النقل يوميًا، وذلك لضمان تقديم دعم فعّال لوسائل النقل.

ومن المهم إطلاق نظام دعم موجّه يضمن توفير سلة غذاء أساسية، يتم تقديمه إلكترونيًّا عبر بطاقات الدعم الذكية، لتقديم مساعدة مباشرة وعادلة إلى الأسر منخفضة الدخل، مع توسيع شبكة المجمعات الاستهلاكية التي تقدم السلع الأساسية بأسعار أقل من السوق لتخفيف الضغط على ميزانيات الأسر.

والأهم في تلافي أي تأثيرات على الفئات الفقيرة وذات الدخول المحدودة، ضرورة أن تلغي الحكومة أية سياسات مستقبلية بشأن إلغاء دعم الخبز باعتباره من بين أكثر الأدوات المالية فعاليةً وعدالةً في حماية الأمن الغذائي للفقراء في المناطق الحضرية والريفية.

الرسالة المهمة التي تنتهي إليها الدراسة، أن إعادة توجيه الموارد المالية الناتجة عن "إصلاح الدعم" أو الغائه سيوفر آليات حماية اجتماعية مستهدفة بدقة، كما أن برامج مثل الدعم الموجَّه لمصاريف النقل وسِلال الغذاء الأساسية توفر شبكة حماية للفئات الاقتصادية الهشة، لكونها حلولا طويلة الأجل، وليست مثل تلك الحلول والحزم المؤقتة التي تطلقها الحكومة من وقت إلى آخر.
--------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | ابتزاز سمسار أمريكا وقناة السويس